تشهد إيطاليا حالة اضطراب سياسي بعد استقالة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي في الأيام القليلة الماضية، ليضع نهاية لحكم دام 14 شهراً لائتلاف شعبوي من اليمين واليسار. لكن التأثير الأكبر لقرار كونتي قد يتمثل في منع، أو على الأقل إحباط ظهور أكثر الحكومات يمينية في إيطاليا، منذ حكومة بينيتو موسوليني. والآن يستكشف الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الخيارات لتشكيل ائتلاف جديد. وإذا نجح في هذا، فقد يجد ماتيو سالفيني- المتمتع بشعبية كبيرة، ووزير داخلية البلاد الطموح من أقصى اليمين وزعيم حزب الرابطة اليميني- نفسه في عزلة سياسية.
والأزمة السياسية الحالية هي تتويج لتوترات تختمر، منذ فترة طويلة، بين حزب حركة «خمس نجوم» المناهض للمؤسسات الحاكمة والذي يعتبر الآن أكبر فصيل في البرلمان، وحزب «رابطة الشمال» الذي يتزعمه سالفيني والذي أصبح أكبر حزب في إيطاليا عام 2019. وتحالف الحزبان المتشككان في الاتحاد الأوروبي ضمن ائتلاف حاكم في يونيو عام 2018، لكنهما لم يكونا حليفين طبيعيين قط. فقد كانا متحدين في وعدهما بإخراج الإيطاليين من الفقر وإحجامهم عن اتباع أبسط إجراءات الاتحاد الأوروبي في التقشف. وحين وصلا إلى السلطة كثر النزاع بينهما مما أزعج بروكسل كثيراً.
وحزب الرابطة أحد ألمع نجوم كوكبة من الأحزاب القومية من أقصى اليمين، والتي اكتسبت زخماً في أوروبا. ويتمتع زعيمه سالفيني بشعبية، لاسيما في شمال إيطاليا، وقد أصبح رمزاً للشعبويين الأوروبيين. إنه مؤيد لقيم الأسرة ومناهض للهجرة ومتشكك في الاتحاد الأوروبي. والأزمة السياسية ناتجة في الأساس عن اعتقاد سالفيني بأن الدفع إلى إجراء انتخابات مبكرة قد يلعب في صالحه.
وترى أجنيس أورتولاني، الباحثة في وحدة المعلومات في «إيكونوميست»، أن «سالفيني يحاول الدفع إلى انتخابات مبكرة، كي يستفيد من صعود شعبية الرابطة. ويستطيع ائتلاف من الجناح اليميني بزعامة سالفيني، الحصول على ما يصل إلى ثلثي المقاعد في البرلمان في أكبر أغلبية برلمانية في تاريخ الجمهورية الإيطالية، مما قد يسمح له بتعديل الدستور». ويرى لورنزو كاستيلاني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لويس في روما، أن كل الاحتمالات متساوية؛ فمن الممكن «إجراء انتخابات مبكرة، أو تكون لدينا أغلبية جديدة». ويضيف كاستيلاني أن «الرابطة لديها خيار واحد فحسب، وهو إجراء انتخابات مبكرة في أسرع وقت ممكن. وبغير هذا، من الصعب للغاية أن تأتي غالبية أخرى تتضمن الرابطة».
والاحتمال الأول يستتبع إجراء انتخابات جديدة في نهاية أكتوبر، كما يتمنى سالفيني. واستطلاعات الرأي توحي بأن الرابطة ستفوز بهامش كبير. وهذا قد يعني حكماً منفرداً من حزب قومي، أو موقفاً مهيمناً في ائتلاف حاكم من الجناح اليميني يضم حزب «إلى الأمام إيطاليا»، حزب رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، وحزب «إخوان إيطاليا» القومي المتطرف. والاحتمال الآخر أن تُشكل حكومة بديلة. صحيح أن حزب الرابطة يحظى بشعبية وسط الجمهور، لكن توزيع السلطة في الهيئة التشريعية في إيطاليا، ليس انعكاساً للمجتمع الإيطالي في هذه اللحظة. وفي المجلس التشريعي، يسيطر الرابطة على 17% فقط من المقاعد. والخوف من ضعف الأداء في الانتخابات قد يكون حافزاً قوياً يدفع الأحزاب الأكبر في البرلمان لوضع خلافاتها جانباً وخلق أزمة من جديد.
وهذا قد يؤدي إلى تحالف بين حزب حركة «خمس نجوم» و«الحزب الديمقراطي» المعارض من يسار الوسط. والأقل ترجيحاً، لكنه ليس مستحيلاً، أن يجري إنقاذ الائتلاف القائم بين خمس نجوم والرابطة. لكن هناك احتمال آخر، رغم أنه لا يحتمل حدوثه إلا في حالة حدوث مأزق، وهو أن يقرر الرئيس تشكيل حكومة تكنوقراط للتعامل مع ميزانية عام 2020 والدفع قدماً إلى اتخاذ قرارات سياسية محورية. وقدرة خمس نجوم والحزب الديمقراطي على العمل معاً اتضحت في عملهما على عرقلة دعوات سالفيني لإجراء تصويت بنزع الثقة على الفور. وربما يكون هذا كافياً لمنعه من تولي مناصب أعلى، بينما خياراته الأخرى محدودة.
وإذا لم تعقد انتخابات مبكرة، ستتحول الرابطة إلى المعارضة. وهناك احتمال بعيد، وهو أن يستطيع سالفيني جمع ائتلاف من الجناح اليميني داخل البرلمان الحالي.
والتوقيت أسوأ ما يكون لإيطاليا، إذ من المقرر أن تضع الهيئة التشريعية ميزانية 2020 بدلا من إطفاء النيران السياسية. والانتخابات المبكرة قد تجبر البرلمان على وضع ميزانية العام المقبل في غضون أسابيع، بدلاً من وضعها في غضون شهرين. وتتعرض إيطاليا لضغوط من المفوضية الأوروبية، وتواجه احتمالات مرتفعة بحدوث ركود عام 2020. وإذا ما فازت الرابطة بانتخابات مبكرة وأصبح سالفيني رئيساً للوزراء، فهذا سيضع أوروبا وإيطالياً على طريق الصدام، دون شك.

*صحفية تغطي شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»